إن التنمر من أسوأ التصرفات الاجتماعية، لأنه يصدر من شخص مريض نفسي يحطم شخصا آخر سويا، وقد يحقق مبتغاه اذا كانت الضحية خجولة او ضعيفة الشخصية. ما هو التنمر؟ وما هي اسبابه؟ وما هي عواقبه؟
تعريف التنمر
التنمرهو سلوك وتصرف عدواني ينتج من شخص مريض نفسي او متكبر، وهذا السلوك العدواني اما ان يكون نفسي او جسدي معنوي او حتى جنسي، حيث ان المتنمر يستخدم بشكل متكرر ابشع ما لديه من صفة قبيحة، إستهزاء او إعتداء، فقط لكي ينال من شخصية الضحية. وقد سُمي هذا السلوك بالتنمر نسبة الى حيوان النمر، لانه يستخدم أسوأ الخدع لإفتراس فريسته. والتنمر يعتبر من أكبر أشكال الإساءة التي تواجه المجتمعات بمختلف انتماءاتها عبر العالم، فالتنمر يمكن أن يحدث في أي مكان تتفاعل فيه الناس مع بعضها البعض، ويشمل ذلك المنازل، المدارس و الأحياء وخصوصا الشعبية منها، وايضا يمكن ان نجد التنمر حتى في دور العبادة.
أسباب التنمر
نعلم أن التنمر له طرفان، طرف المعتدي وهو المتَنمر، وطرف الضحية وهو المتنمَّر عليه، لهذا فإن أسباب التنمر تكون متعلقة بشخصية المتنمر. ومن بين الأسباب التي تولِّد لنا المتنمرين ما يلي:
النقص العاطفي
عندما يحس الشخص انه غير مهم في مجتمعه وخصوصا داخل أسرته، كأن يكون الأب والأم مشغولين بأشياء أخرى كالشغل خارج البيت مثلا، ولا تعطى للطفل وقت للجلوس معه ونقاشه واللعب معه، مع أنهم يوفرون له جميع الاحتياجات المادية كالمال الالعاب اللباس الى غيره، ولكنه ينقصه الحنان والعاطفة الأبوية. وايضا اذا عاش الطفل وسط أبوين يكون أحدهما يتميز بالشخصية النرجسية، عندها يتوهم الطفل انه غير مرئي وغير مقبول في أسرته، لهذا يجب على الابوين ان يُشبعا أطفالهما حنانا وعطفا كي لا ينتج مع الوقت شخص عدواني ومتنمر، بالاضافة الى ان التفكك الأسري هو سبب رئيسي ايضا في انتاج أشخاص متنمرين.
الغيرة
وخصوصا الغيرة المرَضِية والتي من أسبابها ضعف الثقة في النفس، حيث أن ضعيف الشخصية ولو كان يمتلك كل شيء مال الجمال نفود... الخ، إلا انه يحس انه اقل شأنا من الآخرين، ويكون عاجز على مناقشتهم فيترجم عجزه إلى التنمر على الآخرين، هذا من جهة، من جهة أخرى هناك بعض الأشخاص فاشلين في تحقيق أي هدف في حياتهم، في حين يرى أن الناس حوله ناجحين متفوقين مما يجعله عوض أن يبحث عن أسباب الفشل يصب غيظه في من حوله بالتنمر عليهم، وهذا ينطبق على التلاميذ والطلاب في المدارس والجامعات. وما يثير الإنتباه أيضا أن هناك من يتنمر على أشخاص فقط لأنهم ملتزمون بدينهم. كما أن من اسس الغيرة أيضا هو ذاك التفاضل الذي ينتج من الآباء تجاه أولادهم، وهذه هي البذرة الأولى للغيرة المرَضِية لهذا يجب أن ينتبه الآباء في التعامل مع أطفالهم.
عدم ثقة بالنفس
إن هذا السبب يمكن أن يدمر المُتنَمِّر وحتى الضحية، حيث أن المتَنمر يقوم بأي شيء عدواني تجاه الاخرين كي يثبت انه قوي وان له وجود بينهم وانه قادر على المنافسة، فيسعى لتحطيم خصومه بأحد أنواع التنمر. اما بالنسبة للضحية فانها اذا كانت تعاني من ضعف الثقة في النفس فان المتنمر سيتمكن منها ويعرضها الى تدمير الصحة النفسية، الاكتئاب، الخوف، وربما أمور أخرى أعنف و أخطر مثل الانتحار.
عواقب التنمر
اذا كان التنمر سلوك عدواني مرضي، فمن الطبيعي أن تكون له عواقب على الضحايا والتي من بينها ما يلي:
عواقب جسدية
حيث يصاب الشخص الذي تعرض للتنمر بالصداع المتكرر، وايضا احساسه بألم في الجهاز الهضمي خصوصا المعدة، كما أنه يعاني من صعوبة النوم ورؤية الكوابيس المتكررة، ويشعر بالعجز وعدم الرغبة في القيام بأي عمل. ومن اخطر العواقب هو محاولته ايذاء جسده بالعض او الضرب، كما أنه يصاب بقلة الشهية او قلة الاكل، وفي بعض الاحيان الانقطاع عن الاكل لانه يفقد المتعة بالاشياء الجميلة حوله.
عواقب نفسية
ان اكثر الاضرار التي يتعرض لها ضحايا التنمر هو الاكتئاب، حيث يشعر الضحية باليأس ويفقد الرغبة في الحياة والتمتع بها، ويظل حزينا طوال الوقت، كما أنه يعاني من القلق المزمن والخوف من المواجهة مع باقي أفراد المجتمع، فيصبح منعزلا تماما وتلازمه كثرة التفكير في اشياء خطيرة جدا يمكن أن يؤذي بها نفسه كالانتحار وارتكاب جريمة في حق الاخرين. بالاضافة الى انه يصاب بمشاكل في الذاكرة كالنسيان، تشتت التفكير، قلة التركيز، كثرة لوم النفس والشعور بالذنب.
عواقب اجتماعية
إن للتنمر عواقب إجتماعية وخيمة على الضحية قد تقلب حياته راسا على عقب، ومن بين هذه العواقب صعوبة العلاقات، حيث يصعب على الضحية ربط علاقات مع أهله ومجتمعه، وحتى إذا كانت هناك علاقات فإنه سرعان ما يقطعها لأنه يحب الانفراد والعزلة بسبب صعوبة بناء العلاقات والاستمرار فيها. ومن المعاناة التي يعاني منها ضحية التنمر الخوف، وخصوصا الخوف من الأماكن العامة المليئة بالناس، وبحكم انه فاقد الثقة في نفسه فإن نظرات الناس تكون له كرماح مغروسة في قلبه، لأنه ينظر لكل الناس على انهم متنمرين يريدون ايذاءه والاستهزاء به، ولهذا نجد ان هذا النوع من الناس يصعب عليهم جدا ان يجدوا عملا مستقرا، وحتى ان وجدوه فربما لن يحافظوا عليه لكثرة خوفهم وعدم الثقة في عملهم وما يقومون به. كما أن من العواقب الاجتماعية التي يمكن أن يتعرض لها ضحية التنمر الاغتصاب وخصوصا للأطفال من الذكور والمراهقات من الاناث لانه يكون خجولا جدا لهذا لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وحتى أنه لن يستطيع بسبب خجله، أن يخبر أهله حتى يحموه من المغتصب.
عواقب تعليمية
وهذه العواقب تظهر بشكل كبير في المدارس ومراكز تعلم المهارات، حيث ان ضحية التنمر في هذه المؤسسات يكون تعلُّمهم منخفض جدا نظرا للخجل الذي يعاني منه، وبالإضافة إلى خوفه من إستهزاء الأخرين، أصدقائه وزملائه، من أفكاره وتحدياته التعليمية، والخوف من الوقوع في الخطأ أمام المتنمرين. ونجد الكثير من ضحايا التنمر لا يستطيعون تجاوز الامتحانات التي تكون فيها مقابلات لانهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم وقدراتهم التي تؤهلهم للحصول على نتائج جيدة، ومراكز قيمة في المجتمع، كما انهم ايضا لا يستطيعون تنمية الصحة النفسية لديهم.
خلاصة
إن المجتمع لا ولن يستيطع القضاء على التنمر والمتنمرين، ولكن يستطيع ان يصنع أجيالا قادرة على مواجهة هذا السلوك العدواني، وذلك ببناء شخصية أفراد المجتمع بطريقة صحيحة وقوية، لا تتأثر بما هو غير أخلاقي وقادرة على الدفاع عن نفسها أمام كل المتنمرين.